26 - 06 - 2024

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب

لم يتحملوا حرب الإبادة والتجويع .. أشفقوا على الوجوه المرهقة والأجساد الواهنة .. تعاطفوا مع دموع لا تتوقف على أحباء يوارونهم كل يوم التراب .. اهتزت قلوبهم هلعا على أيادى أرهقتها المحنة، فلا تحمل سوى رفات الأهل وأوانى فارغة بلاطعام .. يقتاتون الحزن كل لحظة، فالموت يحاصرهم أينما ذهبوا .. والجوع ينتظرهم أينما حلوا.

وحدهم يواجهون خطر الموت وألم البطون الخاوية .. أيادى الاشقاء قصيرة وعزيمتهم ضعيفة ومساعداتهم هزيلة لا تكفى لسد رمق من يتناولها ولا تشفع لحفظ ماء وجه من يهبها.

المشهد الدامى الحزين انخلعت له قلوب ما زالت تحمل قدرا من إنسانية .. تعاطفت مع أصحاب القضية .. لم يشغلها دين أو وطن أو لون أو لغة كان همها فقط حفظ كرامة وحياة إنسان.

لم تكتف بالإحتجاج صمتا أو اعتراضا على استحياء، لكنها جهرت بصرخة أطلقتها مدوية في وجه عالم قبيح .. ترتكب أمام أعينه أبشع الجرائم بينما يقف شاهدا عليها مثل شيطان أخرس لا يعرف الحق ولا يغوى سوى فاقدى الرحمة والإنسانية والضمير.

بقدر ما تزداد الجرائم بحدتها بشاعة يوما بعد يوم بقدر ماتعلو الأصوات المنددة بها ما بين الحين والآخر ضاربة عرض الحائط بصمت الخزى والضعف والخذلان وقلة الحيلة.

من الغرب جاءت الأصوات الصارخة المحتجة بقوة .. ليس فقط من خلال المظاهرات الضخمة المنددة بحرب الإبادة والمطالبة بوقف الحرب، ولكن أيضا عن طريق محاولات فردية لم يقل تاثيرها عن صخب الحشود الضخمة، بل على العكس ربما فاقها كثيرا بسبب تفردها وحجم الغضب الذى عكسته طريقتها في الاحتجاج والشجب والإدانة ..

أرون بوشنل أحد هؤلاء .. أشعل في نفسه النار احتجاجا على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة .. هو شاب في مقتبل عمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين. لم يحلم مثل من هم في مثل عمره بمستقبل وردى أو فتاة أحلام، أو ربما شغلته هذه الأحلام لكنها لم تشغله عن هم أكبر سيطر على عقله وقلبه وكل وجدانه .. لم يتحمل تلك المشاهد المروعة التي تتوالى وتحكى مأساة أهل غزة المحاصرين بين حرب الإبادة والتجويع .. أراد وفق قناعته وثقافته أن يطلق صرخة مدوية تدين تلك الحرب وتطالب بوقفها.. أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن وقف ليشعل النار في نفسه احتجاجا بينما يهتف بكل ما أوتى من قوة "الحرية لفلسطين".

أزهق روحه تطهرا وتبرئة من المشاركة في الجريمة "لن أكون متواطئا في الإبادة الجماعية بعد الآن  ..أنا على وشك الانخراط في عمل إحتجاجى متطرف، لكن بالمقارنة مع مايعيشه الناس في فلسطين على أيدى مستعمريهم فإن الامر ليس تطرفا على الإطلاق" هكذا جاءت كلماته الأخيرة.. بعدها أقدم على عمله الإحتجاجى ليلفظ بعده أنفاسه الأخيرة بينما ينطق لسانه هاتفا بالحرية لفلسطين.

رحل أرون بينما ظل وجه المبتسم يلاحقنا ويشعرنا بمزيد من الضعف والعجز وقلة الحيلة وعدم القدرة عن التعبير عما تختلج به صدورنا من غضب واحتجاج وألم.

ومن أمريكا لألمانيا تعددت الأصوات المحتجة .. شاب ألمانى أكبر عمرا وإن لم يكن أقل غضبا .. وشت به كل ملامحه، بينما كان يشارك في إحدى المظاهرات المنددة بحرب الإبادة على غزة حاول أن يترجم غضبه ورفضه لتواطؤ حكومته مع جرائم الاحتلال البشعة فقام بتمزيق جواز سفره بينما يعلو صوته بقوة "هذا جواز سفرى .اليوم أشعر بالخجل كونى ألمانيا ولقد قررت احتجاجا على الظلم الذى تتعرض له فلسطين أن أمزق هذا الجواز، تماما كما يمزق الجيش الإسرائيلي الأراضى الفلسطينية وشعبها". بعدها مزق جواز سفره وسط تصفيق من حوله بينما علا صوته بالهتاف "الحرية لفلسطين" "أوقفوا الإبادة الجماعية".

الأغرب أن تلك الأصوات اللا عربية المنددة بالحرب لم تتوقف عند الغرب، بل إمتدت لتصل لقلب إسرائيل.عدد من الشباب الإسرائيلى رفضوا الخدمة العسكرية احتجاجا على الحرب في غزة. هل هو الخوف من الموت أم الاحتجاج وراء ما فعلوه؟ ربما تختلف الأسباب، وإن كان موقف الفتاة الإسرائيلية صوفيا أور يبدو صريحا في قناعته وتنديده بالحرب بعدما رفضت الخدمة العسكرية وتعرضت لعقوبة السجن، لكن يبدو أنها مستعدة أن تدفع ثمن قناعتها عن طيب خاطر وهو ماعكسته كلماتها: "أرفض التجنيد والمشاركة في سياسات الفصل العنصري والقمعى التي تفرضها إسرائيل على شعب فلسطين خاصة في الحرب".

تتوالى الاحتجاجات اللا عربية التي تمنحها الحرية والديمقراطية في بلدانها القدرة على التعبير والاحتجاج والإدانة لساستها، بينما تظل الأيادى العربية يقتلها الحزن في صمت عجزا وضعفا وقلة حيلة لا تقوى على رفع صوتها المحبوس بفعل ديكتاتورية ارتضت الخزى وفرضت على شعوبها الخذلان.
---------------------------------
بقلم:؛ هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان